مقال رأي: العمل في زمن (كوفيد-19) من منظور قانوني

منذ وقت ليس ببعيد، كانت العادة أن يُنجز العمل من المكتب، وأحيانًا من أماكن الأخرى. وأن تُعقد الاجتماعات وجهًا لوجه، وأن يتخلل العمل تبادل أطراف الحديث والجلوس مع الزملاء أثناء استراحة الغداء أو القهوة. ثم جاء (كوفيد -19) وعطّل دوران هذا الروتين، حيث اتخذت الدولة إجراءات نتج عنها إغلاق معظم المساحات التي يجتمع فيها الناس.

مع ذلك، واصل كثيرون عملهم من منزلهم بدلًا من المكتب، حيث الأسرة وصوت التلفاز، والصفوف التعليمية عن بُعد، وألعاب الفيديو والهواتف المحمولة في الخلفية. فتحولت الاجتماعات إلى المنصات الرقمية مثل "زووم"، و"تيمز"، و"ويبيكس" وغيرها، وأصبح مقر العمل مفتوحًا على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع.

بعد انقضاء الجائحة، قد نعود جميعًا إلى روتين العمل الذي عهدناه سابقًا، وربما عاد الكثير منّا أو على وشك العودة، حيث فحص الحرارة عند البوابة، والتأكد من أننا تلقينا التطعيم عبر تطبيق احتراز، وارتداء الكمامات، والتباعد الاجتماعي وغيرها من الأمور التي صارت شائعة ومعروفة.

لكن، هل واكب القانون هذه التطورات؟ على سبيل المثال: ما معنى أن تكون "في العمل" بينما أنت في الحقيقة تعمل والحاسوب على طاولة المطبخ في منزلك؟ كيف نعرّف يوم العمل ومفهوم الإجازة بينما نحن متصلون بالإنترنت طوال الوقت بطبيعة الحال؟ ربما يتوقع صاحب العمل منك أن تكون متصلًا بالإنترنت ومستعدًا لاستقبال المهام. ما هو التزام صاحب العمل بتقديم الدعم الفني أو الأمن السيبراني لك في المنزل؟ عندما نعود في نهاية المطاف إلى المكتب، ما هي الالتزامات التي سيقدمها صاحب العمل لضمان بيئة عمل آمنة صحيًا؟

في ندوة عُقدت خلال العام الأكاديمي المنصرم، تعاونت كلية القانون في جامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر، مع مكتب معايير التوظيف في مركز قطر للمال، من أجل مناقشة الجوانب المختلفة لهذه التطورات في قطر، والتي كان لها أبعاد قانونية وسياسية مهمة.

من الناحية القانونية، حددت قطر، بموجب القانون رقم 17 لسنة 2020، الحد الأدنى لأجور العاملين دون تمييز بينهم، وشمل ذلك الحد الأدنى لبدلات الإقامة والطعام. ويرى أليكس نصري من منظمة العمل الدولية، الذي تحدث خلال الندوة، أن هذه التعديلات جاءت في الوقت المناسب؛ لأن وجود منزل آمن ونظيف، وتغذية مناسبة، أمر بالغ الأهمية للتصدي للوباء. كما تم تعديل قانون العمل القطري، بموجب المرسوم بقانون رقم 18 لسنة 2020 والمرسوم بقانون رقم 19 لسنة 2020، لإلغاء شرط تقديم العامل شهادة عدم ممانعة عند الانتقال من وظيفة إلى أخرى داخل الدولة، إضافة إلى تسهيل دخول الوافدين إلى الدولة وخروجهم منها. ولا شك أن المرونة في سوق العمل أمر ضروري نظرًا لحالة عدم اليقين التي تعيشها الأسواق بسبب الوباء.

وقد أكد بيان وزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية في قطر أن أصحاب العمل ملزمون بدفع الرواتب الأساسية والبدلات للعاملين في الشركات التي واصلت نشاطاتها. كان هذا إعلانًا مهمًا وفي صالح المجتمع، حيث يتواصل العمل خارج المكتب بشكل مكتمل الأركان. وأكد إعلان مجلس الوزراء، ذلك بصورة أكبر حيث شجّع العمل عن بُعد، فوضعت وزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية إرشادات لتحديد ساعات العمل، العمل الإضافي، الدعم الإداري، المعدات والمستلزمات، ومعايير الصحة والسلامة.

أما بالنسبة للشركات التي توقفت أنشطتها التجارية، فتقدّم العاملون بطلبات إجازة غير مدفوعة الأجر، أو إجازات سنوية، أو تقليص ساعات العمل؛ ومع ذلك لم تستطع الشركات إلغاء بدلات الطعام والسكن، فهما ضروريان لخلق بيئة تحدُّ من انتشار الفيروس. كما ظلت مستحقات ورواتب العاملين سارية خلال وجودهم في العزل أو الحجر الصحي. ففي عزل المصابين والمعرضين للفيروس عن الآخرين فائدة للمجتمع بأسره، ولا ينبغي أن تكون دون مقابل أو على حساب الفرد المصاب وحده.

وقد أثبتت توجيهات حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، باتخاذ تدابير مالية شاملة لدعم القطاع الخاص، أهميتها في الحدّ من توقف الشركات عن العمل بشكل كلي، وأضفى استجابة إنسانية للوضع الصعب.

تغير عالم العمل الذي نعرفه جذريًا. ولأسباب مختلفة، لم يعد العمل مرتبطًا حصرًا بالحضور إلى المكتب، ولهذا جوانب إيجابية، حيث أفاد العديد من أصحاب العمل والموظفين أن العمل في المنزل أدى إلى زيادة الإنتاجية. وأتيحت الفرصة أمام الآباء والأمهات للتواصل أكثر مع أطفالهم، كما انخفضت الانبعاثات الضارة نتيجة تراجع أعداد الذين يستخدمون سياراتهم ذهابًا وإيابًا إلى العمل.

من ناحية أخرى، لا يختلف اثنان على أهمية التفاعل البشري الهادف من أجل استمرار حياتنا، بل ومن أجل العمل نفسه في كثير من الحالات. أما المرأة العاملة، فقد فرضت عليها المسؤولية المزدوجة المتمثلة في الاعتناء بمنزلها أثناء العمل من المنزل أعباء كبيرة. وأشارت نائبة المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، أنيتا باتيا، إلى أن "العديد من النساء لن يعدن إلى العمل" وهو ما تؤكده بيانات الوظائف في الولايات المتحدة.

تعلّمنا من العام الماضي وجوب أن يكون النظام القانوني لمستقبل مكان العمل مرنًا وقائمًا على مجموعة متنوعة من المعايير، بما فيها معايير الصحة والسلامة، والمعايير الاقتصادية والاجتماعية. وقد أثبت نهج قطر، الذي اتبعته وزارة الصحة العامة في قطر مع وزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية، والوزارات الأخرى، ومجتمع الأعمال، أنه نهج ضروري وفعال.

الدكتورة سوزان كارامانيان، عميد كلية القانون في جامعة حمد بن خليفة

هذا المقال تمت مشاركته من قبل إدارة الاتصال في جامعة حمد بن خليفة بالنيابة عن المؤلف. الآراء المعبر عنها هي آراء المؤلف ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.