مقال رأي: خيارات مستدامة لنقل طاقة الغاز الطبيعي

حين بدأت قطر الاستثمار في مصانع الطاقة لتحويل الاحتياطي الهائل من الغاز الطبيعي إلى غاز مسال، تغيرت حظوظ البلاد بشكل مثير. وفجأة أصبح من الممكن تحويل هذا النوع من الطاقة إلى صورة سائلة ونقله عبر العالم للبلدان التي تحتاج إليه. ومع ذلك، ماذا لو كانت هناك طرق أفضل لنقل كل هذه الطاقة؟ والأهم ماذا لو كانت هذه الطرق أكثر فاعلية واستدامة؟

هذه هي القضية التي بحثناها في برنامج الطاقة المستدامة في كلية العلوم والهندسة بجامعة حمد بن خليفة. هناك عقبات تقنية في طريق نقل الطاقة تتضمن انخفاض كثافة الطاقة، الإمداد المتقطع، وعدم إمكانية تحريك مصادر الطاقة. ومن الحلول المستدامة الممكنة للتغلب على هذه العقبات استخدام ناقل طاقة يتسم بالكفاءة والفاعلية بهدف تخزين الطاقة ونقلها وتوزيعها بطريقة عملية وممكنة من الناحية الفنية.

وإدراكًا لضرورة أن تتكيف قطر مع الاتجاهات العالمية المنادية بأكبر قدر ممكن من الاستدامة، أجرينا تحليلاً لأشكال الطاقة السائلة الخمسة (الهيدروجين السائل، الأمونيا السائلة، الميثانول، وثنائي ميثيل الإيثر، والغاز الطبيعي المسال الناتج عن تحويل الغاز الطبيعي) ودرسنا مدى ملائمتها للبيئة وكفاءتها وفعاليتها من حيث التكلفة. ومن الناحية الفنية نفقد بعضًا من كتلة الطاقة المسالة خلال سلسلة الإمداد نتيجة الاختلاف في درجات الحرارة بين نواقل الطاقة المسالة والجو المحيط، ويُطلق على هذا الفاقد الغاز المتبخر. ويتم التعامل مع الغاز المتبخر بصورة مختلفة إما بالاحتراق وهدره في البيئة أو الإبقاء عليه واستغلاله في أغراض مختلفة مثل توليد الطاقة أو إعادة التسييل. وقد احتسبنا كمية الغاز المتبخر الناتجة في مراحل مختلفة من سلسلة إمداد نواقل الطاقة المسالة. ومن خلال تحليل الحساسية اتضح تأثر معدلات الغاز المتبخر بعوامل متعددة منها درجة حرارة الجو المحيط، وضغط التخزين، ووقت التخزين البري، ووقت النقل البحري، وتوقيت الضخ. كما أجرينا تحليلاً للتكاليف لتحديد تكلفة الإنتاج ونقل الغاز الطبيعي عبر نواقل الغاز المسال من خلال حساب تكلفة الغاز المتبخر والتكلفة الاجتماعية للكربون ضمن مراحل الإنتاج والنقل.

وأظهرت النتائج أن الميثانول يحقق الكتلة الأكبر وأن ثنائي ميثيل الإيثر ينتج أكبر كمية من الطاقة في حين يفقد الهيدروجين أكبر قدر من الكتلة في صورة غاز متبخر أثناء سلسلة الإمداد إذا لم تكن هناك عملية استعادة للغاز المتبخر. ويتولد أكبر قدر من الغاز المتبخر أثناء مرحلة النقل البحري مما يعني أن وقت النقل عبر المحيط هو العامل الأكثر أهمية بين العوامل التي جرت دراستها.

وحين تزداد حمولة السفينة من 100 ألف متر مكعب إلى 260 ألف متر فإن تكلفة نقل الطاقة في صورة غاز طبيعي مسال تقل بنسبة 12.5. ومن الممكن أن يكون ثنائي ميثيل الإيثر والميثانول أوفر من الغاز الطبيعي المسال في نقل طاقة الغاز الطبيعي لنفس الحمولة السابقة. وفي ظل تكاليف النقل البحري لطاقة الغاز الطبيعي في صورة أمونيا سائلة وهيدروجين سائل، فإن هذه الأشكال الخالية من الكربون ولا تنبعث منها غازات احتباس حراري بشكل مباشر (انبعاثات أثناء الاستخدام) يمكن أن تكون بديلاً أفضل وأنقى في المسافات القصيرة مما يحسن اقتصاد البلاد من خلال تنويع الصادرات في قطاع الطاقة.

لا شك أن بحث مسألة التكلفة البيئية المرتبطة بإنتاج نواقل الطاقة ونقلها يعطي صورة أوضح تساعد في تحديد نوعية النواقل التي تلبي اللوائح البيئية التي نصت عليها المنظمة البحرية الدولية. على سبيل المثال، فإن دمج التكلفة الاجتماعية للكربون في التكلفة الإجمالية لنقل الغاز الطبيعي يمكن أن يكون عاملاً حاسمًا في اتخاذ القرار. ومع زيادة التكلفة الاجتماعية للكربون تزداد التكلفة الإجمالية لنقل الغاز الطبيعي المسال بصورة هائلة. وبهذا الاعتبار يُفضّل استخدام الأمونيا السائلة والميثانول وثنائي ميثيل الإيثر كنواقل لطاقة الغاز الطبيعي.

والنتائج التي خرجنها بها تمهد الطريق نحو الاستغلال الأمثل. وقد وجدنا أن الهيدروجين السائل والأمونيا السائلة باعتبارهما الصورتين الخاليتين من الكربون هما الخيار الأنسب للبيئة لكن الهيدروجين يفقد أكبر قدر من الطاقة خلال النقل بسبب خصائص مادية حرارية. وبالنسبة للأشكال الكربونية، فإن الميثانول هو الأفضل من حيث الكفاءة المادية لكنه أكثر تعقيدًا من ثنائي ميثيل الإيثر في حالات النقل لمسافات طويلة.

ولكل من أشكال الطاقة هذه استخدامها الرئيسي، إذ يُستخدم الهيدروجين في المواد الغذائية الكيميائية، والميثانول في الوقود، والأمونيا في التخصيب والتبريد، لكن المهم في هذا الصدد تقليل الوقود الأحفوري القائم على الكربون المستخدم في مجال الطاقة والتدفئة والتبريد وفي قطاع النقل.

وسوف يكون لهذا البحث أهميته الكبيرة في مساعدة شركات مثل قطر للبترول، وناقلات، وقطر غاز في تحسين عمليات إنتاج الغاز الطبيعي. وهناك دول مثل اليابان قد أحرزت الريادة في مجال تصنيع المركبات التي تعمل بالهيدروجين، وكذلك فإن أستراليا في طريقها لتصبح واحدة من موردي الهيدروجين السائل.

ويبعث هذا المشروع على التفاؤل حيال إمكانية تحقيق قدر أكبر من الاستدامة في استهلاك الموارد المتجددة. وقد حصل المشروع على الجائزة الوطنية للبحث العلمي في عُمان لسنة 2020 في فئة أفضل بحث علمي منشور للباحثين الناشئين (من غير حملة شهادة الدكتوراه) في مجال الطاقة والصناعة عن ورقة بحثية بعنوان "استقصاء الجدوى التقنية لمجموعة متنوعة من حاملات الطاقة لإيجاد سيناريوهات مستدامة في قطاع نقل الطاقة البحري" وقد نُشرت في مجلة Energy Conversion and Management الصادرة عن دار Elsevier.

د. يوسف بيسر هو أستاذ مساعد في كلية العلوم والهندسة بجامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر، أما السيد محمد البريكي فهو باحث دكتوراه في برنامج الطاقة المستدامة.