خبير مناظرات بمؤسسة قطر يوضح أهمية المناظرة في الحوار السياسي وصنع القرارات

جاءت انتخابات مجلس الشورى في قطر كنقطة تحول هامة في المشهد السياسي، حيث يمثل المجلس أحد جناحي السلطة، فالقوانين لا تصدر إلا بعد عرض مشروعاتها على مجلس الشورى ودراستها وإبداء رأيه وتوصياته حولها، والجناح الآخر للسلطة التنفيذية هو مجلس الوزراء الذي يتولى اقتراح القوانين وإعداد مشروعاتها وإحالتها إلى مجلس الشورى.

وتعد البرلمانات ومجالس الشورى في العالم ساحة للتأثير وكسب التأييد لمشاريع القوانين، لا سيما بين الأعضاء داخل المجلس، ومن هنا يبرز دور المناظرات كونها تتمحور حول عملية الإقناع كأحد اهم غاياتها، وتستخدم في سبيل تحقيق ذلك العديد من الأدوات والمهارات كالعرض والتقديم، والبرهنة بالحجج والمنطق، والتفنيد الفعال وغيرها.

وقد تحدث عبدالرحمن السبيعي، مدير البرامج في مناظرات قطر، عضو مؤسسة قطر، عن قوة المناظرات وقدرتها على التأثير ، مشيرًا إلى أن المناظرات تساعد الأعضاء في البرلمانات ومجالس الشورى بشكل عام، وفي العديد من الدول، على كسب تأييد زملائهم لتشكيل أغلبية أو قوة تصويت تضمن كسب القرار لصالحهم.

وأكد السبيعي على أن الاختلاف يعد أحد المظاهر الطبيعية داخل البرلمانات ومجالس الشورى نتيجة تنوع بين آراء الأعضاء، واختلاف برامجهم ومشاريعهم السياسية، وهي مظاهر يمكن لها أن تكون بنّاءة أو هدّامة؛ وأوضح أن ذلك محكوم بطريقة التعامل مع الاختلاف، وقال:" تبرز أهمية المناظرات في جعل الاختلاف مظهرًا للتنوع بدلاً من التنازع، وذلك يكمن في القيم التي تقام عليها المناظرات، كالاحترام المتبادل، ونقد الأفكار والآراء لا الأفراد، والسماح بالتفكير بعقلية الآخر وفهم وجهة نظره، بالإضافة للاعتراف بحق الآخر في التعبير عن رأيه".

وتعتبر المناظرات عملية تنظيمية للحوار في قالب يضمن عرض الأفكار والأطروحات بشكل واضح ومنطقي ومتسلسل، ضمن قواعد تساهم بشكل فعال في منح الفرص المتساوية لأطراف الحوار، وضمان حق العضو في عرض فكرته أو برنامجه، وإتاحة ذات الفرصة لباقي الأطراف، وأوضح السبيعي ذلك قائلا:" بما أن غالبية المشاريع التي يتم تداولها وطرحها في الجلسات البرلمانية والشورية ذات طابع سياسي أو قانوني، فإن ضمان الاستماع لجميع الآراء يعد أمرًا بالغ الأهمية من أجل الوصول إلى نهاية مثمرة من الحوار، وهذا ما تخلقه المناظرات عبر نظامها الحواري الملائم لطبيعة هذه المجالس والبرلمانات، فهي تركز على الفكرة التي يجري حولها الحوار دون شخصنة أو تحيز".

وتحدث السبيعي عن دور المناظرات في الكيانات الاستشارية والديمقراطية على مستوى التجارب العالمية، مبينًا أن المناظرات تلعب دورًا مهمًا في العديد من البرلمانات والأنظمة الديمقراطية، وقال:" يعد البرلمان البريطاني أبرز نموذج لاستخدام المناظرات في اتخاذ القرارات السياسية وتمرير القوانين، حيث تتم عملية اتخاذ القرار وكثير من السجالات والمساءلات البرلمانية على شكل مناظرة بين الأعضاء الممثلين للتيارات البرلمانية المختلفة بشكل عام".

أضاف:" نجد أيضًا تجربة المناظرات ماثلة في البرلمان الكندي والأمريكي وغيرها، وحتى على المستوى الرئاسي فإن المناظرات تتبوأ مكانة مهمة في مرحلة الانتخابات في كثير من السباقات الرئاسية لدى التجارب الديمقراطية المتقدمة كالولايات المتحدة وفرنسا".

ويرى السبيعي أن أصحاب القرار المجيدين لفن المناظرات يستطيعون التعاطي مع الإعلام وأدواته، وأنهم قادرين على خوض الحوارات والتفاعل مع الأسئلة والرد عليها بطريقة احترافية، مما يساهم في تعزيز التعاون بين السلطة التشريعية والإعلام.

وعن دعم المناظرات للقرارات والمخرجات على المستوى الشعبي والإعلامي وبين أوساط دوائر صناعة القرار، أوضح السبيعي أنه عادة ما يحظى أصحاب القرار المتمرسين في المناظرات بثقة كبيرة في طرح وتسويق قراراتهم وتقديمها للأوساط الشعبية والإعلامية ، وذلك لما يتمتعون به من أسلوب مميز في التعبير والطرح، وقال:" القرارات التي تبنى وفقًا لقواعد المنطق ومعطيات الواقع تتمتع بدرجة عالية من القبول الشعبي، وبذلك تتحقق مصلحة مهمة في بناء التوافق المجتمعي ومد جسور من الثقة بين المواطنين وصنّاع القرار، مما يعود على المناخ السياسي بالاستقرار والإيجابية".