معرض "عن الصمت" في مؤسسة قطر يسلط الضوء على قضايا البيئة وحقوق الإنسان

هل يستطيع الفن تغيير رؤيتنا للواقع؟ وكيف يمكن للتأمل في عمل فني أن يعزز الوعي أو يلفت الانتباه لقضية ما؟ تعتبر قضية التغير المناخي من أهم القضايا التي تشغل العالم بسبب التأثيرات الخطيرة التي تنتج عنها، والتي قد يصعب ملاحظتها في حياتنا اليومية، لكن الفن قد يلعب دورًا حقيقيًا وهامًا في التعبير عن قضايا المناخ والاستدامة، وذلك ما أوضحه السيد عبد الله كروم، المدير السابق لمتحف، واستشاري تقييم خاص لدى نائب الرئيس التنفيذي بالوكالة للمتاحف والمقتنيات وحماية التراث، وقال: "ينظر الفنّ الى كل الأزمات التي يمر بها العالم، بما فيها التغير المناخي وحقوق الانسان، وفي الغالب ينجح الفنان في لفت الأنظار الى قضية معينة، وفي نفس الوقت تبقى العديد من الأزمات والمعضلات تحت غطاء الصمت، وهذه النقطة مهمة في معرض "عن الصمت" للفنان قادر عطية .

ويستضيف متحف: المتحف العربي للفن الحديث، عضو مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، من 8 ديسمبر2021 حتى 31 مارس 2022 معرض "قادر عطية: عن الصمت"، وهو معرض مخصص لأعمال الفنان التي أنتجها على مدى العقدين الماضيين، ويُقدم عملين فنيين جديدين، أولهما "تشابك الأشياء"، وهو عبارة عن فيلم وسلسلة نسخ طبق الأصل من منحوتات أفريقية، تتناول الجدل المعقد حول استعادة الأغراض المستحوذ عليها من أفريقيا خلال الحقبة الاستعمارية، أما العمل الآخر "عن الصمت"، فهو عبارة عن عمل تركيبي يغطي صالة عرض بأكملها يتكون من عدد كبير من الأطراف الاصطناعية (معظمها ايدي وأرجل)، التي تشير إلى الأدوات الطبية المستعان بها في تحسين حياة الذين فقدوا أحد أطرافهم في مناطق النزاع.

وقد أكد كروم على أن المعرض يدعم مفهوم الاستدامة من خلال عدة أعمال فنية تتعلق بما خلّفه التاريخ الحديث من فترات الاستعمار الامبريالي، وقال: "إننا اليوم في مرحلة مهمة في تاريخ التطور البشري، وفي نظري يجب طرح كل القضايا المصيرية للحضارة الإنسانية، ولذلك قررنا أن يكون عنوان المعرض "عن الصمت" بمعنى الابتعاد عن الصمت عندما يتعلق الأمر بهذه القضايا. فالتعبير يؤدي إلى الحوار، وبالتالي خلق فرص للتعاون من أجل آفاق مستقبلية تضع التعايش ضمن أولويات السلطات والمجتمعات على السواء".

وأضاف: "إن فكرة الاستدامة مرتبطة بالوعي بأهمية النظر الى المصلحة العامة عندما نقوم بأي خطوة قد تؤثر على الطبيعة أو على حياة الآخرين، والوعي هنا يعني المعرفة والتواصل، لأنهما يؤديان الى التعليم والتعايش، سواء على مستوى البشرية أو البيئة".

وعن الرسالة التي يرغب الفنان قادر عطية بإيصالها من خلال المعرض، قال كروم إن إحدى الأفكار المهمة لمعرض "عن الصمت" تتجلى في إبراز التعقيدات التي خلفها الاستعمار على الأفراد في جميع المجتمعات، بما فيها تلك التي قادت حملات استعمارية وضحاياه.

وأكد كروم على أمكانية استيعاب الجمهور بمختلف فئاته للرسالة الإنسانية والبيئية التي تحملها الأعمال الفنية الموجودة بالمعرض، وقال إن للعمل الفني إمكانيات متعددة قابلة لقراءات تختلف حسب خلفيات المشاهد وثقافته وتجربته في الحياة، وبمجرد أن يقرر الزوار الاطلاع على الأعمال الفنية هذه، فهم إذن على الاستعداد للحوار مع العمل الفني، وربطه بكل القضايا التي يتعايش معها.

أصبح الفن الحديث اليوم يعتمد على الوسائل التكنولوجية، وهذا ما يبرز في معرض " عن الصمت " الذي يدمج ما بين الأعمال الفنية، والوسائط المتعددة، ويرى كروم أن التقييم والإخراج الهندسي للمعرض يساهمان في إنجاح العمل الفني، ويساعدان على إيصال تصوّرات الفنان منذ البداية، وقال: "من الضروري أن تستثمر المتاحف في وسائل الإخراج وكل الأدوات التقنية، لأن كل عمل يتطلب أدوات خاصة يمكنها ترجمة الرؤية الأولية للفنان".

وتشغل فترة ما بعد الحرب والاستعمار حيزًا كبيرًا من المعرض، وتحدث كروم عن ذلك مبينًا أن أثر الحروب والاستعمار لا يمكن أن يزول، وذلك نظرًا لخسارة أشياء لا يمكن استعادتها بأي وسيلة، ولذلك يتحدث الفنان قادر عطية عن فكرة "التعويض" أو "الإصلاح"، في اقتراح طرق جدّية ترمي إلى البناء على تاريخ قد ترك صدمات دائمة على الإنسانية.

وختم كروم بقوله: "عند زيارة المعرض نشهد المقترحات التي تنطلق من علم النفس، والتي يستخدمها الفنان لفهم التاريخ وإعادة قراءة المنتجات الفكرية والفنية التي قد تنتج في سياقات معقدة".