بلسان حالها: ما أقوله لطفلتيّ حول صيام الشهر الفضيل

عند حلول شهر رمضان المبارك من كل عام، يطرق عقول الأطفال الصغار الكثير من الأسئلة بدافع الفضول والإقتداء بالكبار حول طقوس صيام الشهر الفضيل. وقد تتكرر تلك الأسئلة ذاتها كل عام إذا لم يحصل الطفل على إجابة شافية ودقيقة حول معنى الصيام وما نطمح لتحقيقه لأنفسنا وفي سبيل ديننا من خلال تلك الفريضة.

عند مصادفتي لمحادثات بين بعض من الآباء والأمهات مع أبنائهن حول هذا الموضوع، ألاحظ باستمرار تركيز الوالدين على جانب الامتناع عن الطعام والشراب في الفترة ما بين آذان الفجر وآذان المغرب وعدم الاستفاضة في شرح الأهداف والجوانب الأخرى سواء المتعلقة بالنفس، أوبالفوائد التي يجنيها المرء من صيامه. في كثير من الأحيان، قد يقتصر شرح أهداف فريضة الصيام على شعور المرء بالآخرين ممن هم أقل حظًا في الحياة؛ وتعلّم قيمة التعاطف والعطاء؛ وتقدير نعم الله علينا التي لا حصر لها.

وأنا اتفق تمامًا على أهمية محاكاة الإنسان للعيش الزاهد والترفع عن إغراءات الحياة، لأنه يسمح لنا بتجربة ما يشعر به المحرومون ويصارعونه. بالإضافة إلى أن اتباع ذلك الأسلوب في الحياة قد يكشف لنا الكثير من المزايا التي قد لا ندركها سوى من خلال التجربة الفعلية.

ولكنني طالما وجدت قيمة كبيرة في شرح ما يعنيه الصيام من وجهة نظر روحية وفسيولوجية سواء لأطفالي أو لأصدقائي من الديانات الأخرى، وربط أهداف تلك الفريضة وآثارها الفعلية بحياتنا، لأن الله تعالى قد أنزل الدين منهجًا نتبعه ونهتدي به، ولم ينزل تعاليمه بمعزل عن ممارساتنا الحياتية. فالرسالة الأسمى لجميع الديانات السماوية هي أن توضح للبشر الطرق المثلى لعيش حياتهم.

عندما أتحدث إلى أطفالي عن الصوم كأحد أركان الإسلام الخمسة، الذي يُلزم المسلم بالامساك عن الطعام والشراب منذ طلوع الشمس حتى مغربها، فإنني أولي أهمية خاصة في حديثي معهم على أن صيام المسلم في رمضان قد يُفسده الكثير من الأفعال السلبية مثل التلفظ بكلمات غير مستحبة أو النميمة أو المشاركة في أي نوع من الأفعال التي يمكن وصفها بالمؤذية أو التي تضر بالآخرين.

وطالما شددتُ على توضيح هذا الجزء لهم لأنني أؤمن بأن إبقاء عقولنا متيقظة دائمًا، ومراقبة نوايانا وسلوكياتنا هو بمثابة تهذيب للنفس من شأنه تعزيز قدرتنا على التأمل الذاتي وإدراك مدى تأثير أفعالنا على المحيطين بنا، كما أنه يعلّمنا الانضباط وكيفية التحكم في رغباتنا، وهو ما يشكّل قوة لا يمكن اكتسابها بسهولة في ظل حياة البشر المليئة بعناصر التشتيت.

هناك أيضًا فوائد فسيولوجية هائلة تعود على أجسادنا إذا ما تم الصيام بصورة صحيحة، بل يُعتقد أنها عملية علاجية تعزز قدرات الشفاء الطبيعية للجسم عن طريق تفريغ المعدة؛ ومن المعروف أنها طريقة طبيعية لخفض مستويات السكر في الدم والكوليسترول.

عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، من المستحب أن يكسر المرء صيامه بتناول حبات من التمر أو شرب الماء، ثم البدء في تناول الطعام ببطء واعتدال، مع الأخذ في الاعتبار أن المعدة تظل فارغة لأكثر من 12 ساعة، فنحن بحاجة إلى تناول ما تحتاجه أجسامنا فقط، وعلينا تجنب الإفراط في تناول الطعام.

كما قال النبي في حديثه: "ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه".

أعتقد أن الصوم خلال شهر رمضان هو فريضة إذا تم تنفيذها بشكل صحيح، فإنما تُعدّ مثلاً لأسلوب حياة صحي للغاية، بالإضافة إلى كونها ممارسة روحية نطمح في مواصلتها لبقية العام وليس خلال شهر الفضيل فقط.

من ناحية أخرى، يرمز الصيام للتطهير الذاتي، فإذا اعتدنا أن نكون حكامًا على أنفسنا، وأن نعامل الآخرين بالطريقة التي نحب أن نُعامل بها وأصبحت تلك مبادئ نلتزم بها طوال الوقت، فعندئذ نكون قد حققنا الغرض الديني من الصيام.