للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
يتحدث حسام وريم، من فريق الاتصال بمؤسسة قطر، عن معنى أن تكون فلسطينيًا خارج حدود الوطن، ومعنى أن يكون لك وطن
حين طرق حسام الدين خلف الله باب أحد بيوت غزة، فتحت له شقيقته الكبرى، لتجد أمامها شاب عشريني، أسمر وطويل القامة، وعلى الرغم من أنها لم تر هذا الشاب منذ أكثر من 15 عامًا، إلا أنها عرفته على الفور، وبدهشة صرخت:" أخي.. أخي ".
تتحدث جدّتي دائمًا عن وطننا فلسطين، كما ظل جدّي متمسكًا بحلم العودة إلى أن رحل
كانت تلك المرة الأولى التي تطأ فيها قدم حسام أرض موطنه فلسطين، وطنٌ لا يملك منه شيئًا، سوى وثيقة لاجىء، وحكايا حزينة حول أرضٍ مباركة اغتصبت، وبيوت سرقت، وأشجار زيتون أحرقت.
يومان فقط، يختصران العمر الذي قضاه حسام خلف الله، عضو فريق الإتصال بمؤسسة قطر، في وطنه، كان وصوله إلى هناك مغامرة لم يخطط لها من قبل، حيث تمكن في العام 2006 من اجتياز معبر رفح بين غزة ومصر، البلد الذي كان يتابع فيه دراسته الجامعية آنذاك، قبل إغلاقه مجددًا، ليصل حسام إلى فلسطين، وينحني مقبلًا أرضها، وليختبر شعور الإنتماء إلى وطن، لأول مرة!
حسام الدين خلف الله
في مكان وزمان آخرين، تجلس ريم طلال، فتاة فلسطينية ولدت ونشأت في الدوحة، مع جدّتها تستمع لها وهي تروي حكايا قديمة عن فلسطين وعن الحديقة الجميلة التي كانت تحيط بمنزلهم في غزة، قبل أن يتم تهجيرهم من موطنهم لينتقلوا إلى قطر، حيث كبرت العائلة وأصبح لديهم أبناء وأحفاد، جميعهم لم يعرفوا فلسطين إلا من حكايا الجدة!
تقول ريم طلال، عضو فريق الاتصال بمؤسسة قطر:" تتحدث جدّتي دائمًا عن وطن لنا اسمه فلسطين، كما ظل جدّي متمسكًا بحلم العودة إلى أن رحل، وفي حين أنني أعيش في قطر، البلد الذي أشعر بالانتماء إليه، إلا أنني أتوق إلى استكشاف معنى أن يكون لك وطنًا وأرضًا تحتضن جذورك وتاريخ أجدادك".
أتذكر بوضوح هتافات الجميع لدى رؤيتي، والمائدة التي جمعتنا معًا، تزينها الأطباق التقليدية وخصوصًا الفتة الغزاوية،كما لم أنسى أيضًا، آثار الشظايا على جدران المنزل جراء القصف
حين ودّع حسام الدين خلف الله عائلته في غزة، كان يشعر في صميم قلبه أنه لن يعود، وها هو، وبعد مرور سنوات طويلة، عاد خلالها إلى مكان ولادته ونشأته قطر، وتزوج وأنجب طفلين، لا يملك سوى حكاية يرويها لأطفاله عن تلك الزيارة الخاطفة لمنزل يجمع أعمامهم وعماتهم وجميع أقاربهم.
يقول حسام:" مرت سنوات طويلة على زيارتي تلك، ولكن تفاصيلها عالقة في ذهني، فكما أتذكر بوضوح هتافات الجميع لدى رؤيتي، والمائدة التي جمعتنا معًا، تزينها الأطباق التقليدية وخصوصًا الفتة الغزاوية، وبحر غزة الجميل، فإنني لم أنسى أيضًا، آثار الشظايا على جدران المنزل جراء القصف الإسرائيلي المتواصل".
ريم طلال
ويتابع:" كانت آثار الحرب حاضرة في كل مكان، والحصار الذي يفرضه الاحتلال، يكاد يخنق أهلي، عدم القدرة على التنقل، السفر للعلاج أو الدراسة، عدم القدرة على تأمين الاحتياجات اليومية، انقطاع متواصل للكهرباء والمياه، خدمات سيئة، جميعها تشكل جزءًا من حياة أهل غزة اليومية".
كنت أعجز عن النوم، ولم أتمكن من نسيان عبارة قالتها لي إحدى قريباتي في غزة:" قد تكون هذه المرة الأخيرة التي نتكلم فيها، فنحن لا نعرف متى تسقط علينا قذيفة ما
أثارت المواجهات الأخيرة في حي الشيخ جراح، في فلسطين، غضبًا شديدًا ضد العدو الاسرائيلي، وقد راقب العالم أجمع مشاهد القتل والدمار التي تسببت بها هذه الأحداث، وهو ما عزز لدى الشباب الفلسطيني مشاعر الوطنية والرغبة في المساهمة بإحداث تأثير.
تقول ريم:" خلال مشاهدة الأحداث المؤلمة التي حصلت مؤخرًا في فلسطين، والتي راح ضحيتها عشرات الضحايا، شعرت بالمسؤولية تجاه أبناء وطني، وضرورة أن أقوم بأي شيء كي أحدث تغييرًا ولو بسيطًا، لذا لم أجد أمامي سوى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث بدأت أتفاعل بشكل أكبر كي أساهم في نشر الوعي حول القضية الفلسطينية".
كانت آثار الحرب حاضرة في كل مكان، والحصار الذي يفرضه الاحتلال، يكاد يخنق أهلي
وتتابع:" كنت أعجز عن النوم ليلًا، ولم أتمكن من نسيان عبارة قالتها لي إحدى قريباتي التي تعيش في غزة، وهي لسان حال جميع أقاربي:" قد تكون هذه المرة الأخيرة التي نتكلم فيها، فنحن لا نعرف متى تسقط علينا قذيفة ما وتقتلنا".
بدوره، كان حسام يراقب الأحداث في فلسطين ويسأل:" ترى، أين سيسقط الصاروخ التالي؟ هل يصيب أحد ما من أفراد عائلتي؟
بالرغم من الضحايا والإصابات وتدمير البيوت، إلا أن حسام وريم يؤكدان أن الأحداث الأخيرة في وطنهما منحتهما الأمل، بأن المقاومة والشعب قادران على تحقيق النصر، وأن العالم ليس أمامه سوى أن يقف متعاطفًا مع قضية، هي قبل كل شيء، قضية انسانية.
سنوات مرت، وحسام لم ينسى طعم تلك الفتة الغزاوية التي تناولها في غزة، فنكهتها تشبه تمامًا نكهة الانتماء إلى وطن
تروي الجدة حكايا قديمة عن فلسطين وعن الحديقة الجميلة التي كانت تحيط بمنزلهم في غزة، قبل تهجيرهم من موطنهم
عدم القدرة على تأمين الاحتياجات اليومية، انقطاع متواصل للكهرباء والمياه، خدمات سيئة، جميعها تشكل جزءًا من حياة أهل غزة اليومية". مصدر الصورة: Rodrick Beiler، عبر موقع Shutterstock
ليس لدى ريم جواز سفر فلسطيني، ولا تمتلك الحرية لأن تسافر إلى أي بلد تريد، كما أن حقها بالعودة ليس سوى حلمًا بعيد المنال، ولكنها لا تتوقف عن التساؤل:" ما هو الوطن؟ وكيف هو شعور الإنتماء إلى أرض عاش فيها أجدادك؟ وكيف يبدو أداء صلاة الفجر في أرض مقدسة؟" أسئلة لا تجد أي اجابات لها سوى، في حكايا الجدة .
سنوات مرت، وحسام لم ينسى طعم تلك الفتة الغزاوية التي تناولها في غزة، فنكهتها تشبه تمامًا نكهة الانتماء إلى وطن، نكهة لا تزول، بل تختبىء في الذاكرة، وتنتقل إلى الأبناء والأحفاد والأجيال القادمة، إلى أن يأتي اليوم الذي يطرقون فيه على باب منزل قديم في فلسطين، ولا يغادرونه بعدها أبدًا.